أخبار إيرانأهم الاخبار

الطيران المدني في إيران: قطاع على حافة الانهيار بين العقوبات وسوء الإدارة

الطيران المدني في إيران: قطاع على حافة الانهيار بين العقوبات وسوء الإدارة
يشهد قطاع الطيران المدني في إيران حالة من الانهيار غير المسبوق، تجسدت مؤخراً في حادثة شركة “آسمان” للطيران التي اضطرت إلى إلغاء عشر رحلات داخلية يوم 21 مارس 2025 بعد عطل فني أصاب طائرتها الوحيدة المتبقية في الخدمة. هذه الحادثة ليست معزولة، بل تعكس أزمة هيكلية عميقة تتجاوز الأعطال الطارئة إلى فشل شامل في صيانة الأسطول وإدارته.
شركة “آسمان” التي كانت تملك أسطولاً يضم 40 طائرة في الماضي، لا تملك اليوم سوى طائرة “فوكر 100” قديمة تعمل وسط ظروف متدهورة. في إحدى الرحلات الأخيرة بين شيراز وطهران، انطلقت أقنعة الأوكسجين فجأة، ما اضطر الطائرة للعودة إلى المطار وإلغاء جميع الرحلات التالية. ورغم هذا الوضع الكارثي، لا تزال الشركة تحتفظ بطاقم إداري وفني ضخم يضم نحو 2500 موظف، في مشهد يفتقر لأي منطق اقتصادي أو خطط إنقاذ واضحة.
جذور الأزمة تعود إلى السياسات التصادمية للنظام الإيراني، التي أدت إلى فرض عقوبات دولية مشددة منعت شركات الطيران من شراء طائرات حديثة أو الحصول على قطع غيار أصلية. ونتيجة لذلك، اضطرت الشركات للاعتماد على طائرات مستأجرة متهالكة ومكونات مستخدمة غالباً دون شهادات فنية موثوقة. أكثر من 90% من مكونات الطائرات في إيران يتم استيرادها بطرق غير رسمية، والإنتاج المحلي لا يفي بأي من المعايير الدولية.
الأخطر أن العديد من شركات الطيران، مثل “ماهان” و”قشم”، تخضع لنفوذ الحرس الثوري وتُستخدم كغطاء لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا ولبنان والعراق، ما جعلها هدفاً للعقوبات الدولية المتجددة. هذه الارتباطات الأمنية والعسكرية أضرت بمصداقية القطاع ككل، وعرّضته لعزلة متزايدة في المحافل الدولية.
من أخطر مظاهر الأزمة ظاهرة “سرقة الأجزاء”، حيث تُنقل مكونات سليمة من طائرة إلى أخرى دون توثيق أو صيانة دقيقة، فيما يتم استيراد طائرات مستعملة بغرض تفكيكها واستخدام أجزائها. هذا التفكك غير المنضبط للأسطول جعل كل رحلة جوية مجازفة بحياة الركاب، في ظل غياب سياسات واضحة لتحديث الأسطول أو بنية تحتية قادرة على إصلاح الطائرات محلياً.
شركات الطيران الخاصة تُترك وحدها في مواجهة الانهيار، دون دعم مالي أو فني، في بيئة تتسم بالعقوبات والتضخم ونقص النقد الأجنبي. المواطن الإيراني، الذي لا ذنب له في هذه السياسات، يُجبر على ركوب طائرات متهالكة وسط منظومة فاسدة تقدم الأمن العسكري على أمن الركاب.
في ظل هذا المشهد، بات السفر الجوي في إيران أقرب إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. كل رحلة إقلاع هي رهان على الأرواح، وكل هبوط ناجح يُعد معجزة. قطاع الطيران اليوم لا يمثل مجرد أزمة خدمات، بل رمزاً لانهيار الدولة في أبسط وظائفها، وضحية أخرى من ضحايا نظام لا يبالي إلا ببقائه.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم حاجب الاعلانات

يرجي غلق حاجب الاعلانات للاستمرار فى تصفح الجريدة